غزوة أحد
غزوة
أحد
يشتمل على غزوة أحد مختصرة ، و هي وقعة امتحن الله عز وجل فيها عباده المؤمنين و اختبرهم ، و ميز فيها بين المؤمنين و المنافقين ، و ذلك أن قريشاً حين قتل الله سراتهم ببدر ، و أصيبوا بمصيبة لم تكن لهم في حساب ، و رأس فيهم أبو سفيان بن حرب لعدم وجود أكابرهم ، و جاء كما ذكرنا إلى أطراف المدينة في غزوة السويق ، و لم ينل ما في نفسه : شرع يجمع قريشاً و يؤلب على رسول الله صلى الله عليه وسلم و على المسلمين ، فجمع قريباً من ثلاثة آلاف من قريش و الحلفاء و الأحابيش ، و جاؤوا بنسائهم لئلا يفروا ، ثم أقبل بهم نحو المدينة ، فنزل قريباً من جبل أحد بمكان يقال له : عينين ، و ذلك في شوال من السنة الثالثة .
واستشار رسول الله صلى الله عليه و سلم أصحابه : أيخرج إليهم أم يمكث في المدينة ؟ فبادر جماعة من فضلاء الصحابة ممن فاته الخروج يوم بدر إلى الإشارة بالخروج إليهم ، و ألحوا عليه صلى الله عليه وسلم في ذلك ،و أشار عبد الله بن أبي بن سلول بالمقام بالمدينة ، و تابعه على ذلك بعض الصحابة ، فألح أولئك على رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فنهض و دخل بيته و لبس لأمته و خرج عليهم ، و قد انثنى عزم أول ئك فقالوا : يا رسول الله ، إن أحببت أن تمكث في المدينة فافعل . | |
فقال : ما ينبغي لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يقاتل و أتي عليه الصلاة و السلام برجل من بني النجار فصلى عليه ، و ذلك يوم الجمعة ، و استخلف على المدينة ابن أم مكتوم . و خرج إلى أحد في ألف ، فلما كان ببعض الطريق انخزل عبد الله بن أبي نحو ثلاثمائة إلى المدينة ، فاتبعهم عبد الله بن عمرو بن حرام والد جابر رضي الله عنهما يوبخهم و يحضهم على الرجوع ، فقالوا : لو نعلم أنكم تقاتلون لم نرجع . فلما أبوا عليه رجع عنهم و سبهم.
واستقل رسول الله صلى الله عليه و سلم بمن بقي معه حتى نزل شعب أحد في عدوة الوادي إلى الجبل ، فجعل ظهره إلى أحد ، و نهى الناس عن القتال حتى يأمرهم ، فلما أصبح تعبأ عليه الصلاة و السلام للقتال في أصحابه ، و كان فيهم خمسون فارساً ، و استعمل على الرماة ـ و كانوا خمسين ـ عبد الله بن جبير الأوسي ، و أمره و أصحابه أن لا يتغيروا من مكانهم ، و أن يحفظوا ظهور المسلمين أن يؤتوا من قبلهم . و ظاهر صلى الله عليه و سلم ( يومئذ ( بين درعين .
وأعطى اللواء مصعب بن عمير ، أخا بني عبد الدار ، و جعل على إحدى المجنبتين الزبي ر بن العوام ، و على المجنبة الأخرى المنذر بن عمرو المعنق ليموت . و استعرض الشباب يومئذ ، فأجاز بعضهم ورد آخرين ، فكان ممن أجاز سمرة بن جندب ، و رافع بن خديج ، و لهما خمس عشرة سنة . و كان ممن رد يومئذ أسامة بن زيد بن حارثة ، و أسيد بن ظهير ، و البراء بن عازب ، و زيد بن أرقم ، و زيد بن ثابت ، وعبد الله بن عمر ، و غرابة بن أوس ، و عمرو بن حزم . ثم أجازهم يوم الخندق . و تعبأت قريش أيضاً وهم في ثلاثة آلاف كما ذكرنا ، فيهم مائتا فارس ، فجعلوا على ميمنتهم خالد بن الوليد ، و على الميسرة عكرمة بن أبي جهل . و كان أول من برز من المشركين يومئذ أبو عامر الراهب ، و اسمه عبد عمرو بن صيفي . و كان رأس الأوس في الجاهلية ، و كان مترهباً ، فلما جاء الإسلام خذل فلم يدخل فيه ، و جاهر رسول الله صلى الله عليه و سلم بالعداوة ، فدعا عليه صلى الله عليه و سلم ، فخرج من المدينة ، و ذهب إلى قريش يؤلبهم على رسول الله صلى الله عليه و سلم ( و يحضهم على قتاله مع ما هم منطوون على رسول الله ( و أصحابه من الحنق ، و وعد المشركين أنه يستميل لهم قومه من الأوس يوم اللقاء حتى يرجعوا إليهن فلما أقبل في عبدان أهل مكة و الأحابيش تعرف إلى قومه فقالوا له : لا أنعم الله لك عيناً يا فاسق . فقال : لقد أصاب قومي بعدي شر ، ثم قاتل المسلمين قتالاً شديداً .
وكان شعار أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم يومئذ ( أمت أمت ( و أبلى يومئذ أبو دجانة سماك بن خرشة ، و حمزة عم رسول الله صلى الله عليه و سلم ، ( أسد الله و أسد رسوله رضي الله عنه و أرضاه ( و كذا علي بن أبي طالب ، و جماعة من الأنصار منهم : النضر بن أنس ، و سعد بن الربيع رضي الله عنهم أجمعين . و كانت الدولة أول النهار للمسلمين على الكفار ، فانهزموا راجعين حتى وصلوا إلى نسائهم . فلما رأى ذلك أصحاب عبد الله بن جبير قالوا : يا قوم ، الغنيمة الغنيمة . فذكرهم عبد الله بن جبير تقديم رسول الله صلى الله عليه و سلم إليه في ذلك ، فظنوا أن ليس للمشركين رجعة ، و أنهم لا تقوم لهم قائمة بعد ذلك ، فذهبوا في طلب الغنيمة ، و كر الفرسان من المشركين فوجدوا تلك الفرجة قد خلت من الرماة فجاوزوها و تمكنوا ، و أقبل آخرهم ، فكان ما أراد الله تعالى كونه ، فاستشهد من أكرمهم الله بالشهادة من المؤمنين ، فقتل جماعة من أفاضل الصحابة ، و تولى أكثرهم . و خلص المشركون إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فجرح في وجهه الكريم و كسرت رباعيته اليمنى السفلى بحجر ، و هشمت البيضة على رأسه المقدس ، و رشقه المشركون بالحجارة حتى وقع لشقه ، و سقط في حفرة من الحفر التي كان أبو عامر الفاسق حفرها يكيد بها المسلمين ، فأخذ علي بيده ، و احتضنه طلحة بن عبيد الله .
وكان الذي تولى أذى رسول الله صلى الله عليه و سلم عمرو بن قمئة و عتبة بن أبي وقاص ، و قيل: إن عبد الله بن شهاب الزهري أبا جد محمد بن مسلم بن شهاب هو الذي شجه صلى الله عليه و سلم. وقتل مصعب بن عمير رضي الله عنه بين يديه ، فدفع صلى الله عليه و سلم اللواء إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، و نشبت حلقتان من حلق المغفر في وجهه صلى الله عليه و سلم ، فانتزعهما أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه ، و عض عليهما حتى سقطت ثنيتاه ، فكان الهتم يزينه ، و امتص مالك بن سنان والد أبي سعيد الخدري الدم من جرحه صلى الله عليه و سلم . و أدرك المشركون النبي صلى الله عليه و سلم فحال دونه نفر من المسلمين نحو من عشرة فقتلوا ، ثم جالدهم طلحة حتى أجهضهم عنه صلى الله عليه و سلم ، و ترس أبو دجانة سماك بن خرشة عليه صلى الله عليه و سلم بظهره ، و النبل يقع في ه ، و هو لا يتحرك رضي الله عنه ، و رمى سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه يومئذ رمياً (مسدداً ( منكئاً ، فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( ارم فداك أبي و أمي ) . و أصيبت يومئذ عين قتادة بن النعمان الظفري ، فأتى رسول الله صلى الله عليه و سلم فردها عليه الصلاة والسلام بيده الكريمة ، فكانت أصح عينيه و أحسنهما . و صرخ الشيطان ـ لعنه الله ـ بأعلى صوته : إن محمداً قد قتل ، ووقع ذلك في قلوب كثير من المسلمين ، و تولى أكثرهم ، وكان أمر الله . و مر أنس بن النضر بقوم من المسلمين قد ألقوا بأيديهم ، فقال : ما تنتظرون ؟ فقالوا قتل رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : ما تصنعون في الحياة بعده ؟ قوموا فموتوا على ما مات عليه ، ثم استقبل الناس ، ولقي سعد بن معاذ فقال : يا سعد ، و الله إني لأجد ريح الجنة من قبل أحد ، فقاتل حتى قتل رضي الله عنه ، ووجدت به سبعون ضربة . و جرح يومئذ عبد الرحمن بن عوف نحوا من عشرين جراحةً ، بعضها في رجله ، فعرج منها حتى مات رضي الله عنه . وأقبل رسول الله صلى الله عليه و سلم نحو المسلمين ، فكان أول من عرفه تحت المغفر كعب بن مالك رضي الله عنه ، فصاح بأعلى صوته : يا معشر المسلمين ، أبشروا ، هذا رسول الله صلى الله عليه و سلم ! فأشار إليه صلى الله عليه و سلم أن اسكت ، و اجتمع إليه المسلمون ، و نهضوا معه إلى الشعب الذي نزل فيه ، فيهم أبو بكر و عمر و علي و الحارث بن الصمة الأنصاري و غيرهم . فلما أسندوا في الجبل ، أدركه أبي بن خلف على جواد ، يقال له العود ، زعم الخبيث أنه يقتل رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فلما اقترب تناول رسول الله صلى الله عليه و سلم الحربة من ( يد ( الحارث بن الصمة فطعنه بها ، فجاءت في ترقوته ، و يكر عدو الله منهزماً فقال له المشركون : و الله ما بك من بأس ، فقال : و الله لو كان ما بي بأهل ذي المجاز لماتوا أجمعون ، إنه قال لي : إنه قاتلي ، ولم يزل به ذلك حتى مات بسرف مرجعه إلى مكة لعنه الله . و جاء علي رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم بماء ليغسل عنه الدم ، فوجده آجناً ، فرده . و أراد صلى الله عليه و سلم أن يعلو صخرة هناك ، فلم يستطع لما به صلى الله عليه و سلم ، و لأنه ظاهر يومئذ بين درعين ، فجلس طلحة تحته حتى صعد ، وحانت الصلاة ، فصلى جالساً ، ثم مال المشركون إلى رحالهم ، ثم استقبلوا طريق مكة منصرفين إليها ، و كان هذا كله يوم السبت . و استشهد يومئذ من المسلمين نحو السبعين . منهم حمزة عم رسول الله صلى الله عليه و سلم ، قتله وحشي مولى بني نوفل و أعتق لذلك ، و قد أسلم بعد ذلك ، و كان أحد قتلة مسيلمة الكذاب لعنه الله ، و عبد الله بن جحش حليف بني أمية ، و مصعب بن عمير ، و عثمان بن عثمان ، و هو شماس بن عثمان المخزومي ، سني بشماس لحسن وجهه . فهؤلاء أربعة من المهاجرين ، و الباقون من الأنصار رضي الله عنهم جميعهم ، فدفنهم في دمائهم و كلومهم ، ولم يصل عليهم يومئذ . و فر يومئذ من المسلمين جماعة من الأعيان ، منهم عثمان بن عفان رضي الله عنه ، و قد نص الله سبحانه على العفو عنهم ، فقال عز وجل : إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم إن الله غفور حليم . وقتل يومئذ من المشركين اثنان و عشرون . و قد ذكر سبحانه هذه الوقعة في سورة آل عمران حيث يقول : وإذ غدوت من أهلك تبوء المؤمنين مقاعد للقتال والله سميع عليم * الآيات . | |

ليست هناك تعليقات