بعث مؤتة
بعث مؤتة
كان في
جمادى الآخرة من سنة ثمان بعث صلى الله عليه و سلم الأمراء إلى مؤتة ، وهي قرية من
أرض الشام ، ليأخذوا بثأر من قتل هناك من المسلمين . فأمر على الناس زيد بن حارثة
مولاه صلى الله عليه و سلم و قال : إن أصيب زيد فجعفر بن أبي طالب ، فإن أصيب جعفر
فعبد الله بن رواحة . فخرجوا في نحو من ثلاثة آلاف ، و خرج صلى الله عليه و سلم
معهم يودعهم إلى بعض الطريق ، فساروا حتى إذا كانوا بمعان بلغهم أن هرقل ملك الروم
قد خرج إليهم في مائة ألف و معه مالك بن زافلة في مائة ألف أخرى من نصارى العرب من
لخم و جذام و قبائل قضاعة من بهراء و بلي ، و بلقين فاشتور المسلمون هناك و قالوا
: نكتب إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم يأمرنا بأمره أو يمدنا . فقال عبد الله
بن رواحة رضي الله عنه : يا قوم ! و الله إن الذي خرجتم تطلبون : أمامكم ـ يعني
الشهادة ـ و إنكم ما تقاتلون الناس بعدد و لا قوة ، و ما نقاتلهم إلا بهذا الدين
الذي أكرمنا الله به ، فانطلقوا، فهي إحدى الحسنيين : إما ظهور ، و إما شهادة .
فوافقه القوم ، فنهضوا . فلما كانوا بتخوم البلقاء لقوا جموع الروم فنزل المسلمون
إلى جنب قرية مؤتة ، و الروم على قرية يقال لها مشارف ، ثم التقوا فقاتلوا قتالا
عظيماً. و قتل أمير المسلمين زيد بن حارثة رضي الله عنه و الراية في يده ،
فتناولها جعفر ، ونزل عن فرس له شقراء فعقرها ، وقاتل حتى قطعت يده اليمنى ، فأخذ
الراية بيده الأخرى فقطعت أيضاً ، فاحتضن الراية ثم قتل رضي الله عنه عن ثلاث وثلاثين
سنة على الصحيح . فأخذ الراية عبد الله بن رواحة الأنصاري رضي الله عنه ، وتلوم
بعض التلوم ثم صمم و قاتل حتى قتل ، فيقال : إن ثابت بن أقرم أخذ الراية و أراد
المسلمون أن يؤمروه عليهم فأبى ، فأخذ الراية خالد بن الوليد رضي الله عنه فانحاز
بالمسلمين ، و تلطف حتى خلص المسلمون من العدو ،ففتح الله على يديه كما أخبر بذلك
كله رسول الله صلى الله عليه و سلم أصحابه الذين بالمدينة يومئذ و هو قائم على
المنبر ، فنعى إليهم الأمراء ، واحداً واحداً و عيناه تذرفان صلى الله عليه و سلم
، والحديث في الصحيح . و جاء الليل فكف الكفار عن القتال . و مع كثرة هذا العدو و
قلة عدد المسلمين بالنسبة إليهم لم يقتل من المسلمين خلق كثير على ما ذكره أهل
السير ، فإنهم لم يذكروا فيما سموا إلا نحو العشرة . و كر المسلمون راجعين ، و وقى
الله شر الكفرة وله الحمد والمنة ، إلا أن هذه الغزوة كانت إرهاصاً لما بعدها من
غزو الروم ، و إرهاباً لأعداء الله و رسوله .

ليست هناك تعليقات