أخبار الموقع

غزوة الطائف

غزوة الطائف

غزوات الرسول
و أما ملك هوازن وهو مالك بن عوف النصري فإنه حين انهزم جيشه دخل مع ثقيف حصن الطائف . و رجع صلى الله عليه و سلم من حنين فلم يدخل مكة حتى أتى الطائف فحاصرهم ، فقيل : بضع وعشرون ليلة ، و قيل : بضعة عشرة ليلة . قال ابن حزم و هو الصحيح بلا شك . قلت : ما أدري من أين صحح هذا ؟ بل كأنه أخذه من قوله صلى الله عليه و سلم لهوازن حين أتوه مسلمين بعد ذلك : لقد كنت استأنيت بكم عشرين ليلة و في الصحيح عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : فحاصرناهم أربعين يوماً ـ يعني ثقيفاً ـ فاستعصوا و تمنعوا ، و قتلوا جماعة من المسلمين بالنبل و غيره . و قد خرب صلى الله عليه و سلم كثيراً من أموالهم الظاهرة و قطع أعنابهم ، و لم ينل منهم كبيرهم شيء ، فرجع عنهم فأتى الجعرانة ،فأتاه وفد هوازن هنالك مسلمين ، و ذلك قبل أن يقسم الغنائم ، فخيرهم صلى الله عليه وسلم بين ذراريهم و بين أموالهم ، فاختاروا الذرية ،فقال صلى الله عليه و سلم : أما ما كان لي و لبني عبد المطلب فهو لكم ، قال المهاجرون و الأنصار : و ما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه و سلم . وامتنع الأقرع بن حابس و عيينة بن حصن و قومهما حتى أرضاهما و عوضهما صلى الله عليه و سلم . و أراد العباس بن مرداس السلمي أن يفعل كفعلهما ، فلم توافقه بنو سليم ، بل طيبوا ما كان لهم لرسول الله صلى الله عليه و سلم ، فردت الذرية على هوازن ، و كانوا ستة آلاف ، فيهم الشيماء بنت الحارث بن عبد العزى من بني سعد بن بكر بن هوزان ، و هي أخت رسول الله صلى الله عليه و سلم من الرضاعة ، فأكرمها و أعطاها ، و رجعت إلى بلادها مختارةً لذلك ، و قيل : كانت هوازن متوا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم برضاعتهم إياه . ثم قسم صلى الله عليه و سلم بقيته على المسلمين ، و تألف جماعةً من سادات قريش و غيرهم ، فجعل يعطي الرجل المائة بعير ، و الخمسين ، و نحو ذلك . و في صحيح مسلم عن الزهري أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أعطى يومئذ صفوان بن أمية ثلاثمائة من الإبل . و عتب بعض الأنصار ، فبلغه ،فخطبهم وحدهم ، و امتن عليهم بما أكرمهم الله من الإيمان به ، و بما أغناهم الله به بعد فقرهم ، و ألف بينهم بعد العداوة التامة ، فرضوا و طابت أنفسهم رضي الله عنهم و أرضاهم . 
و طعن ذو الخويصرة التميمي ، و اسمه حرقوص ـ فيما قيل ـ على النبي صلى الله عليه و سلم في قسمته تلك ، و صفح عنه صلى الله عليه و سلم و حلم ، بعد ما قال له بعض الأمراء : ألا نضرب عنقه ؟ فقال : لا . ثم قال : إنه سيخرج من ضئضئ هذا قوم يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم ، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم ، فإن في قتلهم أجراً لمن قتلهم .
و استعمل صلى الله عليه و سلم مالك بن عوف النصري على من أسلم من قومه ، و كان قد أسلم و حسن إسلامه ، و امتدح رسول الله صلى الله عليه و سلم في قصيدة ذكرها ابن إسحاق . و اعتمر صلى الله عليه و سلم من الجعرانة و دخل مكة ، فلما قضى عمرته ارتحل إلى المدينة ، و أقام للناس الحج عامئذ عتاب بن أسيد رضي الله عنه ، فكان أول من حج بالناس من أمراء المسلمين .

ليست هناك تعليقات