غزوة الخندق
غزوة الخندق
يشتمل على ملخص غزوة الخندق التي ابتلى الله فيها عباده المؤمنين و زلزلهم ، و ثبت الإيمان في قلوب أوليائه و أظهر ما كان يبطنه أهل النفاق ، و فضحهم و قرعهم . ثم أنزل نصره ، و نصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده ، و أعز جنده ، ورد الكفرة بغيظهم ، و وقى المؤمنين شر كيدهم ، و ذلك بفضله ومنه . وحرم عليهم شرعاً و قدراً أن يغزوا المؤمنين بعدها ، بل جعل المغلوبين و جعل حزبه هم الغالبين ، والحمد لله رب العالمين .
يشتمل على ملخص غزوة الخندق التي ابتلى الله فيها عباده المؤمنين و زلزلهم ، و ثبت الإيمان في قلوب أوليائه و أظهر ما كان يبطنه أهل النفاق ، و فضحهم و قرعهم . ثم أنزل نصره ، و نصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده ، و أعز جنده ، ورد الكفرة بغيظهم ، و وقى المؤمنين شر كيدهم ، و ذلك بفضله ومنه . وحرم عليهم شرعاً و قدراً أن يغزوا المؤمنين بعدها ، بل جعل المغلوبين و جعل حزبه هم الغالبين ، والحمد لله رب العالمين .
و
كانت في سنة خمس في شوالها على الصحيح من قولي أهل المغازي والسير ، والدليل على ذلك أنه لا خلاف أن أحداً كانت
في شوال من سنة ثلاث ، و قد تقدم ما ذكره أهل العلم في
المغازي أن أبا سفيان واعدهم العام المقبل بدراً ، و أنه صلى
الله عليه و سلم خرج إليهم فأخلفوه لأجل جدب تلك السنة في بلادهم
، فتأخروا إلى هذا العام .
قال أبو محمد بن حزم
الأندلسي في مغازيه : هذا قول أهل
المغازي ، ثم قال : و الصحيح الذي لا شك فيه أنها في سنة أربع ، وهو قول موسى بن عقبة ، ثم احتج ابن حزم بحديث ابن عمر
: [ عرضت على النبي صلى الله عليه و سلم يوم أحد و أنا ابن
أربع عشرة فلم يجزني ، وعرضت عليه يوم الخندق و أنا ابن خمس
عشرة فأجازني ] . فصح أنه لم يكن بينهما إلا سنة واحدة فقط . قلت : هذا الحديث مخرج في الصحيحين و ليس يدل على ما ادعاه لأن مناط إجازة الحرب
كانت عنده صلى الله عليه و سلم خمس عشرة سنة ، فكان لا يجيز
من لم يبلغها ، و من بلغها أجازه ، فلما كان ابن عمر يوم أحد ممن لم يبلغها لم يجزه ، ولما كان قد بلغها يوم
الخندق أجازه ، و ليس ينفي هذا أن
بلوغه قد زاد عليها بسنة أو بسنتين أو ثلاثاً أو أكثر من ذلك .
فكأنه قال : عرضت عليه يوم الخندق و أنا بالغ أو من أبناء الحرب . وقد قيل : إنه كان يوم أحد في أول الرابعة عشرة من عمره و في يوم الخندق في آخر
الخامسة عشرة ، و في هذا نظر ،
والأول أقوى في النظر لمن أمعن و أنصف ، و الله أعلم .
وكان سبب غزوة الخندق أن
نفراً من يهود بني النضير الذين أجلاهم صلى الله عليه و سلم من المدينة إلى خيبر كما قدمنا و هم أشرافهم : كسلام بن أبي
الحقيق ، وسلام بن مشكم ، و كنانة بن الربيع و غيرهم ، خرجوا
إلى قريش بمكة فألبوهم على حرب رسول الله صلى الله عليه و
سلم و وعدوهم من أنفسهم النصر ، فأجابوهم ، ثم خرجوا إلى غطفان
فدعوهم فأجابوهم أيضاً ، و خرجت قريش و قائدهم أبو سفيان بن حرب ، و على غطفان عيينة بن حصن ، كلهم في نحو عشرة آلاف رجل . فلما سمع رسول الله صلى
الله عليه و سلم بمسيرهم إليه أمر المسلمين بحفر خندق
يحول بين المشركين و بين المدينة ، و كان ذلك بإشارة سلمان
الفارسي رضي الله عنه ، فعمل المسلمون فيه مبادرين هجوم الكفار
عليهم ، وكانت في حفره آيات مفصلة يطول شرحها ، و أعلام نبوة قد تواتر خبرها
، فلما كمل قدم المشركون ، فنزلوا حول المدينة كما قال
تعالى : إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل
منكم .
و خرج رسول الله صلى الله
عليه و سلم فتحصن بالخندق و هو في ثلاثة
آلاف على الصحيح من أهل المدينة .
و زعم ابن إسحاق أنه إنما
كان في سبعمائة . و هذا غلط من
غزوة أحد ، و الله تعالى أعلم . فجعلوا ظهورهم إلى سلع . و أمر
صلى الله عليه و سلم بالنساء و الذراري ، فجعلوا في آطام المدينة ، و استخلف عليها ابن أم مكتوم رضي الله عنه . و انطلق حيي بن أخطب النضري إلى بني
قريظة ، فاجتمع بكعب بن أسد رئيسهم ، فلم يزل به حتى نقض
العهد الذي كان بينه و بين رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و
وافق كعب المشركين على حرب رسول الله صلى الله عليه و سلم ،
فسرو ا بذلك .
وبعث رسول الله صلى الله
عليه و سلم السعدين : ابن معاذ ، و
ابن عبادة ، و خوات بن جبير ، وعبد الله بن رواحة ، ليعرفوا له هل نقض بنو قريظة العهد أو لا ، فلما قربوا منهم و جدوهم مهاجرين بالعداوة و الغدر ،
فتسابوا و نال اليهود ـ عليهم لعائن الله ـ من رسول الله صلى
الله عليه و سلم ، فسبهم سعد بن معاذ ، وانصرفوا عنهم . و قد
أمرهم صلى الله عليه و سلم إن كانوا نقضوا أن لا يفتوا بذلك في
أعضاد المسلمين ، لئلا يورث وهناً ، و أن يلحنوا إليه لحناً ـ أي لغزاً ـ فلما قدموا عليه ، قال : ما وراءكم ؟ قالوا : عضل و القارة ، يعنون غدرهم
بأصحاب الرجيع ، فعظم ذلك على المسلمين ، واشتد الأمر ،
وعظم الخطر ، وكانوا كما قال الله تعالى : هنالك ابتلي المؤمنون
وزلزلوا زلزالا شديدا . و نجم النفاق و كثر ، واستأذن بعض بني
حارثة رسول الله صلى الله عليه و سلم في الذهاب إلى المدينة لأجل بيوتهم ، قالوا : إنها عورة ، و ليس بينها و بين العدو حائل ، وهم بنو سلمة بالفشل
، ثم ثبت الله كلتا الطائفتين. وثبت المشركون محاصرين رسول
الله صلى الله عليه و سلم شهراً ، ولم يكن بينهم قتال لأجل ما
حال الله به م ن الخندق بينه و بينهم ، إلا أن فوارس من قريش
منهم عمرو بن عبد ود العامري و جماعة معه أقبلوا نحو الخندق ، فلما و قفوا عليه قالوا : إن هذه لمكيدة ما كانت العرب تعرفها ، ثم يمموا مكاناً ضيقاً
من الخندق فاقتحموه و جازوه ، و جالت بهم خيلهم في
السبخة بين الخندق و سلع و دعوا للبراز ، فانتدب لعمرو بن عبد
ود علي بن أبي طالب رضي الله عنه فبارزه فقتله الله على
يديه و كان عمرو لا يجاري في الجاهلية شجاعة ، وكان شيخاً قد جاوز المائة يومئذ
، وأما الباقون فينطلقون راجعين إلى قومهم من حيث جاؤوا
، وكان هذا أول ما فتح الله به من
خذلانهم .
وكان شعار المسلمين تلك
الغزوة ( حم ، لا ينصرون ( .. و لما طال هذا
الحال على المسلمين أراد رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يصالح عيينة بن حصن و الحارث بن عوف رئيسي غطفان ، على ثلث ثمار المدينة و ينصرفا
بقومهما ، و جرت المراوضة على ذلك و لم يتم الأمر حتى استشار
صلى الله عليه و سلم السعدين في ذلك فقالا : يا رسول الله إن
كان الله أمرك بهذا فسمعاً و طاعة و إن كان شيئاً تصنعه
لنا فلقد كنا نحن و هؤلاء القوم على الشرك بالله و عبادة الأوثان وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها ثمرة إلا قرى أو بيعاً ، فحين أكرمنا الله بالإسلام
وهدانا له و أعزنا بك و به نعطيهم أموالنا ؟ و الله لا
نعطيهم إلا السيف . فقال صلى الله عليه و سلم : ( إ نما هو شيء
أصنعه لكم ( و صوب رأيهما في ذلك رضي الله عنهما ، ولم يفعل من
ذلك شيئاً . ثم إن الله سبحانه وله الحمد صنع أمراً من عنده خذل به بينهم و فل جموعهم ، وذلك أن نعيم بن مسعود بن عامر الغطفاني رضي الله عنه جاء إلى
رسول الله صلى الله عليه و سلم و قال : يا رسول الله إني
قد أسلمت فمرني بما شئت ، فقال صلى الله عليه و سلم : إنما
أنت رجل واحد فخذل عنا إن استطعت ، فإن الحرب خدعة . فذهب من
حينه ذلك إلى بني قريظة ـ و كان عشيراً لهم في الجاهلية ـ فدخل عليهم وهم لا يعلمون بإسلامه فقال يا بني قريظة ! إنكم قد حاربتم محمداً ، و إن
قريشاً إن أصابوا فرصة انتهزوها ، و إلا شمروا إلى بلادهم و
تركوكم و محمداً فانتقم منكم . قالوا : فما العمل يا نعيم ؟
قال: لا تقاتلوا معهم حتى يعطوكم رهائن . قالوا لقد أشرت
بالرأي . ثم نهض إلى قريش فقال لأبي سفيان و لهم : تعلمون ودي و نصحي لكم ؟ قالوا نعم . قال : إن يهود ندموا على ما كان منهم من نقض عهد محمد و أصحاب
ه ، و إنهم قد راسلوه أنهم يأخذون منكم رهائن يدفعونها
إليه ثم يمالئونه عليكم . ثم ذهب إلى قومه غطفان فقال لهم مثل
ذلك . فلما كان ليلة السبت في شوال بعثوا إلى يهود : إنا
لسنا بأرض مقام فانهضوا بنا غداً نناجز هذا الرجل ، فأرسل إليهم اليهود : إن اليوم يوم السبت ، و مع هذا فإنا لا نقاتل معكم حتى تبعثوا إلينا رهناً ،
فلما جاءهم الرسل بذلك قالت قريش : صدقنا و الله نعيم بن
مسعود ، و بعثوا إلى يهود : إنا و الله لا نرسل لكم أحداً
فاخرجوا معنا ، فقالت قريظة : صدق و الله نعيم ، و أبوا أن
يقاتلوا معهم . و أرسل الله عز وجل على قريش ومن معهم الخور و الريح تزلزلهم ، فجعلوا لا يقر لهم قرار ، و لا تثبت لهم خيمة و لا طنب ، ولا قدر و لا شيء
. فلما رأوا ذلك ترحلوا من ليلتهم تلك .
و أرسل صلى الله عليه و
سلم حديفة بن اليمان يخبر له خبرهم ،
فوجدهم كما وصفنا ، و رأى أبا سفيان يصلي ظهره بنار ، و لو شاء
حذيفة لقتله ، ثم رجع إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم ليلاً فأخبره برحيلهم
. فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه و سلم غدا إلى
المدينة و قد وضع الناس السلاح فجاء جبريل
عليه السلام إلى رسول الله صلى الله علي ه و سلم و هو يغتسل في بيت أم سلمة ، فقال : أوضعتم السلاح ؟ أما نحن فلم نضع أسلحتنا ، انهض إلى هؤلاء
، يعني بني قريظة .

ليست هناك تعليقات